بين فلسطين والأندلس.. الموريسكيون بمواجهة الإبادة ومحاكم التفتيش

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على الرابط أعلاه للمشاهدة على الموقع الرسمي

تبدو مأساة الأندلس قصة شبيهة بمآسي فلسطين الحديثة من كثير من جوانبها، فبالرغم من العهود والمواثيق التي أُعطيت للمسلمين بضمان حقوقهم الدينية والمالية والاجتماعية والثقافية والعلمية وغيرها، إلا إن هذه الحقوق كان تُنتقض عروة بعد أخرى.

وكذلك أعطيت للفلسطينيين عهود بحقهم في العيش المشترك، ووعود بإقامة دولتهم إلا إن سنوات النكبة المستمرة من أربعينيات القرن الماضي تشهد بعكس هذه الحقوق والمواثيق التي أقرتها الأمم المتحدة واتفاقيات أوسلو وغيرها.

ومن اللافت أن مأساة الأندلس تشبه مأساة فلسطين من جانب آخر، وهو ضعف ردود الفعل الإسلامية والعربية أمام انهيار الأندلس وفلسطين سنة بعد أخرى، فقد وقفت بلاد المغرب والشمال الأفريقي عاجزة عن مد يد العون لإخوانهم الأندلسيين لأنهم الأقرب إليهم، وظلوا يشاهدون سقوط الأندلس طوال سنوات.

من الفتح إلى السقوط

في عام 92 هـ/711 م، كان المسلمون قد نزلوا في شبه الجزيرة الإيبيرية المعروفة اليوم بإسبانيا والبرتغال، وهنالك استطاع طارق بن زياد وموسى بن نصير وقادة الفتح الأوائل ومن جاء بعدهم من الولاة أن يؤسسوا للوجود الإسلامي في هذه المناطق من غرب القارة الأوروبية لمدة 8 قرون شهدت فيها الأندلس قيام حضارة من أزهى الحضارات التي عرفها الغرب.

هذه الحقيقة أقرها كثير من المؤرخين، مثل البريطاني مونتغمري وات في كتابه "فضل الإسلام على الحضارة الغربية" الذي يقرر أن الصلات التجارية والتواجد السياسي للعرب في إسبانيا وصقلية قد "مهد الطريق أمام الثقافة العربية الأرفع شأنا للتوغل تدريجيًا في أوروبا الغربية. ورغم أن أوروبا الغربية كانت لها صلات بالإمبراطورية البيزنطية، فقد نقلت عن العرب أكثر مما نقلت عن البيزنطيين".

ومنذ القرن الثامن الميلادي بدأ القوم المنهزمون أمام المسلمين في أقصى الشمال الغربي من الأندلس في استعادة قوتهم، وتوحيد دولتهم، وشرعوا في حرب استرداد طويلة استمرت 8 قرون استغلوا فيها انقسام المجتمع الأندلسي، وتناحره على الزعامة والملك، بل وخيانة كثير من دول الطوائف التي راحت تدفع الجزية للإسبان، وتتنازل لهم عن القلاع والمدن والحصون.

وقد خُتم مشهد الهزيمة باتحاد ممالك الكاثوليك في أراغون وقشتالة تحت راية فرناندو وإيزابيلا واستطاعا القضاء على دولة بني الأحمر أو الدولة النصرية بدخول غرناطة، وطرد آخر ملوكها أبي عبد الله الصغير الذي آثر الانسحاب من غرناطة إلى بعض ضياعه وحدائقه في قرى الجنوب.

على أن التسليم للإسبان المنتصرين، ودخولهم غرناطة في عام 897هـ/1492م، تم وفق اتفاقية شهيرة لا تزال محفوظة في متاحف إسبانيا حتى يومنا هذا، وفيها يقر الملكان الكاثوليكيان بحقوق المسلمين الدينية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وضمانتهما الشخصية لحماية هذه الحقوق، وبعد عام من هذه الاتفاقية أجبر هذان الملكان الإسبانيان آخر ملوك غرناطة أبو عبد الله الصغير محمد بن علي بن نصر على الهجرة وبيع كل أملاكه والرحيل إلى المغرب دون عودة.

محاكم التفتيش والتنصير الإجباري

أما مئات الآلاف من المسلمين الذين بقوا، فقد عاشوا طوال 120 عامًا واحدة من أفظع المآسي الإنسانية، فبينما جاء المسلمون إلى هذه الجزيرة فاتحين وحفظوا عهودهم مع أهل البلد من المسيحيين وأبقوا على حقوقهم الدينية والاجتماعية وأملاكهم وحقوقهم الاقتصادية، عاش المسلمون الأندلسيون 120 عاما من الإذلال والتعذيب وهضم الحقوق تحت الحكم المسيحي.

وهي الحقيقة التي يقرها المؤرخان الإسباني أنطونيو دومينغز هورتز والفرنسي برنارد بنثنت في كتابهما "تاريخ مسلمي الأندلس.. الموريسكيون" بقولهما: "كان المسلم والنصراني يتعايشان منذ زمن طويل في إسبانيا، وكان كل واحد منهما سيدًا في أرضه، ويتعامل مع الآخر المثل بالمثل، ولكن منذ الثاني من يناير/كانون الثاني 1492 وهو تاريخ دخول الملكين الكاثوليكيين غرناطة أصبح المسلم في أي مكان من إسبانيا مهزومًا. في الحياة الواقعية بدأ ضغط وقهر المنتصرين يشتدّ يومًا بعد يوم حتى وصل إلى التفكير بإنهاء وجود الأقلية المسلمة".

على أي حال، لم تمر أشهر قليلة على اتفاقية التنازل حتى انكشف الوجه الحقيقي للإسبان، فحين استولى فرناندو على غرناطة كان القساوسة يطلبون منه بإلحاح، أن يعملَ على سحق المسلمين من إسبانيا، وأن يطلب إلى المسلمين الذين يودون البقاء: إما التنصر وإما بيع أملاكهم والعبور إلى المغرب، وكانوا يقنعونه أنه ليس في ذلك خرق للعهود المقطوعة لهم، بل فيه إنقاذ لأرواحهم، وحفظ لسلام البلاد، لأنه من المستحيل أن يعيش المسلمون في صفاء وسلام مع النصارى، أو يحافظوا على ولائهم للملوك، ما بقوا على الإسلام وهو يحثهم على مقت النصارى أعداء دينهم.

والحق أن فرناندو كان أشد شوقا من أحباره للانقلاب على هذه الاتفاقية التي أعطت للمسلمين الأندلسيين حقوقًا مفروضة، وقد كانت سياسته لا تتورع قط في "قطع العهود والمواثيق متى كانت سبيلا لتحقيق مآربه وأن يُسبغ على رياسته الغادرة ثوب الدين والورع، ولكنه لم يعتبر نفسه مُلزمًا بعهود يقطعها متى أصبحت تُعارض سياسته وغاياته". كما يقول المؤرخ محمد عبد الله عنان في كتابه "دولة الإسلام في الأندلس".

ولكل هذه الأسباب، بدأ الملك الإسباني في نقض العهود واحدا تلو الآخر، وكان الأندلسيون مع كل نقض يعيشون صدمة الواقع، ومهانة وضعفًا، فكانت أولى مظاهر الانقلاب على الأندلسيين أنه حظر عليهم حمل السلاح الذي يحمون به أنفسهم، وحرموا من شراء الأراضي تسهيلا لتوطين النصارى في المنطقة بدلا عنهم، ليتمكن من تحقيق تغيير ديمغرافي يشبه التغيير الديمغرافي الذي حصل في فلسطين منذ النكبة وإلى اليوم.

حرق الكتب وفرض الضرائب

وكان من أشد الإجراءات قسوة أن مُطران غرناطة الناقم على الإسلام والمسلمين والذي قاد هذه الإجراءات بصرامة قد "أراد أن يبيد الإسلام بضربة واحدة فقام في وسط الساحة العامة بباب الرملة من غرناطة بإحراق كل الكتب العربية التي استطاع جمعها من المكتبات العامة والخزانات الخاصة والتي سلّمها له الفقهاء دون أن يعيرها أدنى اهتمام بما كان يحويه بعضها من آثار ثمينة. ولم ينجُ من لهيب النيران سوى 300 تأليف في الطب"، كما يقول المؤرخ الإسباني خوسيه مونيث إي غفيريا في كتابه "تاريخ ثورة الموريسكيين".

وقد اندهش العديد من المؤرخين ورجال العلم من هذه الإجراءات القمعية والهمجية، فيعلق المؤرخ الأميركي وليم برسكوت على هذا العمل بقوله "إن هذا العمل المحزن لم يقم به همجي جاهل، وإنما حَبر مُثقف، ولم يقع في ظلام العصور الوسطى، ولكن في فجر القرن الـ16، وفى قلب أمة مستنيرة، تدين إلى أعظم حدّ بتقدمها إلى خزائن الحكمة العربية ذاتها".

ولم تت ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي

إقرأ أيضا