حب الطبيعة: ما هي "البيوفيليا" وكيف تؤثر على نفسيتك؟


مصدر الصورة

التواصل مع الطبيعة أثناء العطلة لا يجعلك تشعر بمزيد من الراحة والانتعاش فحسب، بل يسهم في تعزيز شعورك بالسعادة عند العودة إلى منزلك مرة أخرى.

مشيت فوق صخور وشجيرات الغار الجبلية، في صباح يوم ربيعي مشمس، ذاهبا إلى محمية أراضي كونيتيكت المشجرة، لا أسمع سوى زقزقة طيور القرقف وطيور أبو الحناء فضلا عن حفيف أوراق شجر البلوط الجافة تحت أقدامي.

ويقول ريغان ستايسي، معالج لراغبي الاستجمام في الغابات ومرشدي في الرحلة: "نحن نتغلغل داخل الغابة".

تألف جدول أعمال رحلتنا من الاستجمام في الغابات، وهو نشاط تقدمه الكثير من المنتجعات والفنادق، وحتى المتاحف، للنزلاء، ففي ظل اجتياح التكنولوجيا والضجيج والتشتت مختلف مناحي الحياة في العالم، ازداد الاهتمام بالطبيعة، كما أفعل الآن واستجيب لهذا النداء.

أشعر دوما بالهدوء والسلام وسط الطبيعة، وهو ما دفعني إلى السؤال عن سبب ذلك الشعور، وتوصلت إلى أن السبب يكمن فيما يعرف بـ "البيوفيليا"، والتي تعني الميل الفطري للطبيعة والشعور بالارتباط نحوها.

شاعت تلك الرغبة في التفاعل مع جميع أشكال الحياة الطبيعية بفضل كتاب إدوارد أو ويلسون الذي صدر عام 1984 بعنوان "بيوفيليا"، وتتلخص النظرية في أن تطورنا ككائنات حية في الطبيعة، يجعلها المكان الذي نشعر فيه بأكبر قدر من الراحة والارتباط.

وعلى الرغم من كوني أحب الركض في الحديقة أو التنزه سيرا على الأقدام في الجبال، إلا أن هذه النزهة في الغابات تختلف بالنسبة لي.

ويقول ستايسي: "في كثير من الأحيان عندما نمارس الرياضة، لا تركز أذهاننا على تفاصيل المكان الذي نوجد فيه في ذلك الوقت، فلدينا هدف معين أو نحاول الحفاظ على وتيرة معينة".

ويضيف: "لا يتعلق الأمر بالضرورة بأن تركز في المكان الذي توجد فيه"، وعلى الرغم من ذلك فإن الاستجمام في الغابات أمر مختلف، فهو يجعل خطوات الشخص أبطأ على نحو يتيح التركيز على البيئة المحيطة وملاحظة كل التفاصيل والإحساس بها، فالاستجمام في الغابات يجعلك "مرهف الحس تجاه كل ما يحيط بك، ويوجهك".

انحرفت عن الطريق، بحسب إرشادات ستايسي، لاستمتع بملمس الخشب الصلب ورؤية الطحالب الناعمة، وأجعل عيني تغتسل بالمناظر الطبيعية الصخرية المتموجة.

إن التركيب الطبيعي المتباين ودرجات الحرارة المختلفة، فضلا عن التفاصيل التي أصادفها، مثل الفطريات على الأطراف المتساقطة، أو التجاعيد التي تشبه الأصداف البحرية، أو صدى صوت حفر نقار الخشب، كل هذه التفاصيل تجعلني أشعر بارتياح شديد.

هذه المشاعر الهادئة والصافية لها تأثير إيجابي بالطبع، إذ ترصد العديد من الدراسات، بما في ذلك دراسة أعدتها خبيرة علم النفس البيئي، ريتا بيرتو، والتي تحمل عنوان "دور الطبيعة في التعامل مع الإجهاد النفسي الفسيولوجي"، أن البيوفيليا تحد من الإحساس بالقلق، كما تسهم في استعادة الصفاء الذهني والشعور بالسعادة، وكلها عناصر تؤثر على الصحة البدنية.

وتقول بيرتو، وهي أيضا مشرفة على الأبحاث في مختبر معني بدراسة التأثيرات العاطفية في جامعة فالي داوستا الإيطالية: "الجهاز العصبي الباراسمبثاوي، والذي يُطلق عليه أيضا جهاز (الاسترخاء والتجديد)، لديه وظيفة استعادة التوازن بعد المواقف العصيبة".

وهذا هو ما يحدث عندما يسير الإنسان في الطبيعة مثلا، وهو نشاط نقيض لما يحدث حال إثارة الجهاز العصبي السبمثاوي الذي يطلق عليه أيضا جهاز (المقاومة أو الهرب) حال الاستجابة للأماكن المزدحمة أو المجهدة.

وتقول بيرتو إن استجابة المقاومة أو الهرب ليست مرهقة فحسب، بل "إذا ظلت نشطة لفترات طويلة، تؤدي إلى تأثير مزمن يصيب القلب والأوعية الدموية والغدد الصماء، الأمر الذي يؤثر سلبا على صحة الشخص".

وتشير أدلة علمية كثيرة إلى أن قضاء الوقت في الطبيعة يمكن أن يكون مفيدا بالنسبة لنا، فقد خلصت إحدى الدراسات الكبيرة التي أجراها علماء في جامعة إكستر في المملكة المتحدة إلى أن تفاعلنا مع الطبيعة لمدة 120 دقيقة أسبوعيا يجعل الأشخاص يشعرون بأنهم أكثر صحة وسعادة.

كما تشير العديد من الدراسات إلى أن الاستجمام في الغابات، على سبيل المثال، ينطوي على فوائد صحية بدنية ونفسية، ومن بين التجارب ذات الشواهد تجربة تشير إلى أن الاستجمام في الغابات يفيد بشكل خاص للحد من الاكتئاب.

إن السبب الدقيق الذي يجعل قضاء الوقت في الغابات يمكن أن يكون له هذا التأثير لا يزال أمرا مطروحا للنقاش، وتضيف بيرتو أن الأمر بشيء أكثر بساطة يتمثل في أن "التفاعل مع الطبيعة هو الطريقة الأكثر فعالية وتخلو من التكلفة لمن يرغب في التعافي من التوتر".

عزز هذا المفهوم ما أُطلق عليه "صناعة التعافي"، وأصبحت قطاعا من قطاعات الأعمال العملاقة على مستوى العالم والتي تدر 5.6 تريليون دولار، وتشمل كل شيء بدءا من بطانيات الجاذبية والأجهزة القابلة للارتداء إلى حبوب إنقاص الوزن، فكل ما تحتاجه هو الاستمتاع بالأماكن الخارجية الرائعة وبعض التركيز على البيئة المحيطة بك.

وتقول هولي آن باسمور، الأستاذة المساعدة في علم النفس بجامعة كونكورديا في إدمونتون ومديرة أبحاث: "الأشخاص الذين يلاحظون الطبيعة من حولهم، تكون مستويات السعادة لديهم أعلى".

ورصدت باسمور، في دراسات أجرتها، أن الأشخاص لم يشعروا بقدر أقل من القلق والتوتر بعد ملاحظة الطبيعة من حولهم فحسب، بل أصبحوا أكثر هدوءا وسعادة وازدادت حماستهم.

وتضيف: "هذه المجموعة من المشاعر الإيجابية التي يشعر بها الناس هي الأكثر أهمية لتعزيز الشعور بالسعادة لدى الفرد، كل هذه الأنواع المختلفة من المشاعر مهمة حقا لعيش حياة كاملة ومزدهرة".

ويتجاوز الأمر مجرد قضاء وقت في الطبيعة، فمقدار ما تشعر به من ارتباط بتلك الطبيعة يحدث فرقا بالطبع، وتقول باسمور: "عندما تنخرط بشكل أعمق (في الطبيعة)، تجني فوائد جمّة".

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي

إقرأ أيضا