مفاوضات غزة.. نجحت إستراتيجية حماس وخسر نتنياهو أوراقه

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على الرابط أعلاه للمشاهدة على الموقع الرسمي

مع إعلان حركة المقاومة الإسلامية (حماس) موافقتها على المقترح "المصري-القطري" الخاص باتفاق وقف إطلاق النار في غزة، تكون الحركة قد توجت إستراتيجيتها التفاوضية بنجاحها في احتواء أهداف الحرب الإسرائيلية الشرسة ضد قطاع غزة وحوّلت اتجاه الضغط الدولي والإقليمي إلى حكومة الاحتلال، وحافظت على أوراق قوتها العسكرية والسياسية والتفاوضية.

كما تمكنت الحركة بهذا القرار من إلقاء الكرة في ملعب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة ووضعته تحت ضغط هائل، في مشهد كان يصعب تصوره في بداية الحرب.

وحتى الوصول إلى هذه النتيجة، شهد مسار التفاوض بين إسرائيل وحماس مخاضا عسيرا ومراحل متعددة، متأثرا بعدة عوامل أبرزها حجم الضربة التي تلقتها إسرائيل صبيحة السابع من أكتوبر/تشرين الأول ورد فعلها اللاحق لذلك.

كما مثّل الموقف الأميركي الحاد وغير المسبوق إطارا حاسما في مسار الحرب من حيث تصميم أهدافها ومنح إسرائيل الغطاء الواسع سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا.

وشكلت أهداف الحرب المعلنة إسرائيليا، والمتمثلة في القضاء على حماس وإنهاء حكمها للقطاع وتفكيك قدراتها العسكرية والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في غزة، النتيجة المفترضة للمجهود الحربي والتفاوضي الإسرائيلي.

في المقابل، صممت حماس إستراتيجيتها على أساس احتواء المجهود العسكري الإسرائيلي والمحافظة على وضعيتها السياسية وترسيخ أهداف عملية طوفان الأقصى بوقف مسار تصفية القضية الفلسطينية ووضع حد لمخططات حكومة اليمين التهويدية في القدس والضفة الغربية، والوصول لصفقة تبادل تفرج من خلالها عن آلاف من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.

مسار التفاوض

أول التحركات في مسار التفاوض تمثل في اعتماد الوسطاء لدى الجانبين، فمنذ الأيام الأولى للحرب، سعت عديد من الأطراف الدولية والإقليمية لتقديم نفسها وسيطا في حرب هي الأشد في تاريخ القضية الفلسطينية.

ووضعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن نفسها في موقع الإدارة الشاملة للتصعيد وضبط أدوار الأطراف، في محاولة لتصميم مسار تفاوضي يخدم توجهاتها في الحسم ضد حماس وتقديم الدعم اللازم لإسرائيل لضمان تماسكها عقب انتكاسة أكتوبر/تشرين الأول.

إلا أن إدارة بايدن، نظرا لانحيازها المطلق لإسرائيل واقترابها غير المسبوق من المجهود العسكري والاستخباري من الحرب ووقوع عدد من مواطنيها في الأسر لدى المقاومة في غزة، وجدت نفسها طرفا في الصراع وفي المفاوضات أكثر من كونها راعية لها.

تحديد الوسطاء

شكلت أولى نتائج التفاوض مع حركة حماس المدخل الرئيسي لمسار تفاوضي ممتد، حددت فيه أطراف الوساطة الرئيسية الممثلة في قطر ومصر.

وكانت حماس قد أفرجت عن محتجزتين أميركيتين بوساطة قطرية، قالت الحركة وقتها إنها أفرجت عنهما لدواعٍ إنسانية، وقال المتحدث باسم كتائب القسام أبو عبيدة -في بيان مقتضب يوم 21 من أكتوبر/تشرين الأول- إنه "استجابة لجهود قطرية، أطلقت الكتائب اليوم سراح محتجزتين أميركيتين"، هما أم وابنتها، من قطاع غزة "لدواع إنسانية".

ومنذ ذلك الحين، وضعت حماس أولى خطواتها لشق طريق نحو مسار التفاوض حين أعلنت وجود مجموعة من الأسرى من حملة الجنسيات الأجنبية، مؤكدة الحرص على حمايتهم وتأمينهم واعتبارهم "ضيوفا"، وأن كتائب القسام "ستقوم بإطلاق سراح الجنسيات المختلفة" عندما تسمح الظروف الميدانية بذلك.

وتشير ظروف تلك المرحلة إلى أن حماس هدفت من ذلك احتواء الحملة التي رعتها إدارة بايدن وإسرائيل على المستوى الدولي لإدانة المقاومة الفلسطينية وشيطنتها وإلصاق تهم الإرهاب بها.

وقد تمكنت حماس عبر سلسلة من الإفراجات لأسباب إنسانية -شملت أسيرات إسرائيليات من المدنيين- أن تخفف وطأة الضغوط عليها، وتنفيس الحملة ضدها، والتركيز على الصراع وأسبابه وتداعيات العدوان على القطاع.

ويوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أعلنت قطر نجاح جهود الوساطة المشتركة مع مصر والولايات المتحدة بين إسرائيل وحركة حماس، وأسفرت الجهود حينها عن التوصل إلى اتفاق على هدنة إنسانية في قطاع غزة استمرت قرابة الأسبوع.

وقد أسفر الاتفاق الأول بين الجانبين عن صفقة محدودة لتبادل الأسرى، كما سمحت بدخول عدد أكبر من القوافل الإنسانية والمساعدات الإغاثية، ومن بينها الوقود المخصص للاحتياجات الإنسانية.

إستراتيجيات الأطراف

رسمت هذه الصفقة معالم الاتجاهات الرئيسية للجانبين، إذ أظهرت إستراتيجية حكومة نتنياهو التفاوضية التي تقوم على سعيها على الإفراج عن أسراها لدى المقاومة في غزة مقابل أيام محددة من الهدوء وكميات محدودة من المساعدات.

وتهدف تلك الإستراتيجية إلى سحب ورقة القوة الأساسية من يد المقاومة، ومواصلة حربها على القطاع حتى تحقيق أهدافها المعلنة، وتفسر على أنها موقف واضح برفض وقف إطلاق النار والانسحاب من قطاع غزة ومواصلة سياسة التجويع بهدف تهجير المواطنين الفلسطينيين من غزة.

في المقابل، أربك موقف حركة حماس الحسابات الإسرائيلية والأميركية، من خلال وقف مسار التفاوض حينها بعد فشل الوساطات في التوصل إلى اتفاق شامل يوقف الحرب، كما رسم الطريق أمام مسار تفاوضي جديد يمكن القول إن حماس وضعت قواعده الأساسية وحددت أهدافه وأوقفت به إستراتيجية حكومة نتنياهو التفاوضية.

في أعقاب توقف مسار اتفاق الهدنة، حددت حماس أهدافها من المفاوضات بمطالبها الخمسة التي تحولت لمعيار نجاح التوصل لاتفاق، وهي وقف إطلاق النار، وانسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة، وعودة جميع النازحين إلى منازلهم وممتلكاتهم، وإغاثة الشعب الفلسطيني في غزة وإعادة الإعمار، وصفقة تبادل للأسرى مستحقة.

ومع وضوح أهداف الأطراف التفاوضية، ازدادت حمى الحرب في القطاع وحاولت حكومة الاحتلال الإسرائيلي أن تفرض أهدافها بالقوة من خلال استهداف وقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين وتجويع المواطنين وقصف المستشفيات، للضغط على المفاوض الفلسطيني وإجباره على القبول بصفقة تتيح الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين من دون تعهد بوقف القتال.

وفي المقابل، استطاعت المقاومة استيعاب المجهود الحربي الإسرائيلي ومواصلة التصدي وتنفيذ العمليات الخاطفة وإيقاع الخسائر في صفوف جنود الاحتلال الإسرائيلي.

وحافظت المقاومة على قدراتها القتالية ومنعت جيش الاحتلال من استنزاف قوتها العسكرية في معارك مفتوحة يستخدم فيها الاحتلال قوة نارية جوية كبيرة وغير مسبوقة.

إلا أن الفشل الأساسي في الحرب الإسرائيلية على القطاع تمثل في عدم قدرتها على الإفراج عن أسرى إسرائيليين بالقوة، وعدم قدرتها على الوصول لقيادة حركة حماس الرئيسية المتمثلة في قائد حماس بقطاع غزة يحيى السنوار والقائد العام لكتائب القسام محمد الضيف وعدد من القادة الأساسيين في الحركة. ومع إصرار نتنياهو على الإعلان المتكرر لأهداف الحرب، ضاعف من الضغوط عليه كلما تقدمت الحرب من دون تحقيقها.

محورية مقترح باريس

بعد ذلك، توصلت الولايات المتحدة لحقيقة عجز إسرائيل عن تحقيق أهدافها في غزة، وأن كلفة الحرب الإنسانية والسياسية لم تعد قابلة للتحمل، وأن تداعيات الموقف الغربي الداعم للحرب الإسرائيلية على غزة باتت تنذر بتدهور البيئة الأمنية الإقليمية لمنطقة الشرق والأوسط وتؤثر على الأمن العالمي، ورافق ذلك اتساع حجم الرفض الشعبي العالمي وفي الدول الغربية على وجه الخصوص.

وبناء على ذلك، عقد مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) وليام بيرنز مع مسؤولين أمنيين وسياسيين إسرائيليين وقطريين ومصريين محادثات في باريس للوصول إلى اتفاق حول هدنة غزة.

وبعد جولات مكوكية، تم التوصل إلى ورقة تحمل اسم "إطار عام لاتفاق شامل بين الأطراف"، من 3 مراحل، ومن هذه اللحظة، بات "إطار باريس" هو الإطار الحاكم لمسار التفاوض بين الجانبين، لتدخل المفاوضات -لأول مرة- مسارا جديا ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي

إقرأ أيضا